السبت، 19 سبتمبر 2009

موريتانيا وليل كموج البحر !




مسكين هو المواطن الموريتاني، تتناهشه المصائب من كل جانب ولا يلوح له أي ضوء في آخر النفق. فبلأمس القريب عاش ويلات الأزمة الدستورية وتجاذباتها، قبل أن تواري الثري بإنتخابات قيل إنها ديمقراطية، ولكن الأزمة لا تزال تحاول الخروج من مدفنها بكل السبل، يساعدها علي ذلك عدم تداعي أطرافها إلي حوار وطني صريح وشفاف من أجل وضع النقاط علي الحروف وبلورة ميثاق وطني صلب وحازم يلتزم فيه كل طرف بما يعنيه، إن معارضة و وتصويبا، أو تسييرا و ترشيدا.

هذا المواطن التعيس عاش أزمة علي أزمة و "أزداد عليه الطين بلة" فبإنتخاب مرشح الفقراء، وتسلمه دفة القيادة مجددا لم يكد هذا القائد يبرح مكانه بالمركبة الثقيلة حتي غاصت في وحل لاحدود له من المشاكل والمطبات التي لاتنتهي ولا يكاد يجد منها فكاكا.

كثيرة لاشك هي العراقيل التي يرزح تحتها النظام الجديد، وليس أقلها الوضع الدولي المكفهر والأزمة المالية المطبقة، مما يجعل الحليم حيران فما بالك بالمبتدئين الهواة، لكن كل تلك الأزمات يمكن إختزالها في إثنتين عاني منها المواطن برأيي الكثير، ألا و هما السيول وإنقطاع الكهرباء، فلاشيئ أشق علي المرء من أن يحكم عليه بالسير ليلا في سيل من الماء وبحر من الظلمات، حتي إذا أخرج يده لم يكد يراها

ليل الموريتانيين هذا بكل تأكيد صار كليل صديقهم و ملهمهم الشاعر الجاهلي امرأ القيس، الذي قاساه، ولكن من حسن حظ شركة الماء والكهرباء صونلك أنها لم تكن موجودة أنذاك، وإلا لكان لإمرئ القيس معها شأن، فهو بطبعه يأبي الضيم ولاينام علي الظلم، كيف يسكت علي ذلك وهو الذي لم يحتمل الأمر الواقع فماكان منه إلا أن خاطب الظلام الدامس و صاح في وجهه آمرا إياه بالإنصراف، كأنه يملك من أمره شيئا !

لقد أرخي هذا الليل البهيم علينا سدوله بكل أنواع الهموم، ربما ليبتلي كليل الشاعر، وربما ليساعد الشطار علي التزود لدنياهم من دنيا غيرهم، وفي كلتا الحالتين هو بلاء مبرم أن تعيش في الظلام ويجف حلقك عطشا، في حين تحاصرك برك المياه الراكدة من كل جانب، وبعض الناس بيوتهم المتواضعة مهددة بالسقوط في كل حين بسبب تهاطل المطر بغزارة شديدة، والدولة تتفرج عليهم وهم يسكنون العراء ويلتحفون السماء بعد أن طردتهم المياه من بيوتهم، دون أن تقوم بواجبها من إيواء، وتوفير المؤونة اللازمة للمشردين داخل الوطن وما أكثرهم

لقد ضحك أصحاب النظام الجديد من تعاطي الرئيس السابق مع كارثة الطينطان، فجائتهم مصيبة روصو وشكار وألاك وغيرها، فما كان رد فعلهم إذن؟ وهل كان تعاطيهم معها أفضل؟ لا أظن ذلك، وما أراه هو أن يقوم المليون شاعر ـ بعد أن أعيتهم معارضة النظام والضغط عليه من أجل الحصول علي حقوقهم الأساسية ـ أن يقوموا إذن بمعارضة أبيات امرئ القيس، فهو الآن ميت ويمكنهم ان يرفعوا عقيرتهم في وجهه دونما خوف أو وجل، وهو علي الأقل أقل بطشا من رئيس مخلوع، ومن أبياته المشهورة

وليل كموج البحرأرخي سدوله *** ******* عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت لـــــه لما تمـطّي بصلبه ********* وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ****** بصبح وما الإصباح منك بأمثل

ووالله ـ فيما أري ـ إن ليل امرئ القيس وهمومه لأرحم وأهون من ليلنا وهمومنا، وإنا لأصبر علي الضيم وأخنع للذل من ذلك الجاهلي المتمرد، وما أصابنا من مصيبة فبما كسبت أيدينا و ألسنتنا من التملق والنفاق، نبيع دنيانا وأخرانا بدنيا غيرنا، فلنذق طعم ذلك إذن !

ليست هناك تعليقات: