الاثنين، 29 يونيو 2009

طرقنا بابك..ياجبل طارق


كنت أتناول الغداء عندما رن هاتفي ، المتصل هو محمد فال ، شخص تربطني وإياه علاقات قوية ، وقد عبرت له في السابق عن نيتي زيارة المدن الأندلسية الأخري، وشغفي الشديد بالإطلاع علي كل ماله صلة بالتاريخ الإسلامي والعربي هنا في الأندلس خصوصا ، وفي إسبانيا عموما ، لأجل ذلك كان يلح علي بزيارته في مدينة لنيا دي لا كونسبسيون ، حيث الحدود بين إسبانيا و جبل طارق الذي يتبع لبريطانيا ، قبلت الأمر بسهولة بعد إعتذاري له مرات عن ذلك بسبب الإنشغال ، وقلت له خلاص علي بركة اللهإتفقنا علي أن أذهب إلي مدينة مالقا ، ومنها إلي إحدي ضواحيها تسمي بني المدينة، حيث سنقضي هناك ليلتنا، ومن ثم يأخذني بالسيارة لرؤية مالقا نهارا، ثم ننطلق بعد ذلك إلي جبل طارق ، إذ يقيم هو علي مقربة منه . إنتهت المكالمة ، وبعدها بقليل إنطلقت إلي المحطة لحجز مكان لي في الحافلة التي ستنطلق عند الساعة الثامنة مساء ، وكلي شوق إلي رؤية الجبل وتلمس حجارته ، عسي أن تلامس يداي مكانا وطأه الفاتحون ذات مرة والعزة بالله تملأ قلوبهم ، إنه طارق بن زياد الفاتح الإسلامي العظيم وجيشه المغوار الذي يشهد ذلك الجبل أن رجالا عظاما مروا عليه مرور الأبطال

كانت الجبال أثناء الطريق لاتكاد تفارق عيني ، و أنا أنظر بين الفينة والأخري من خلال زجاج الحافلة ، لكن ليس فيها الجبل الذي أبحث عنه ، وأتكبد عناء السفر من أجل رؤيته ، لأفتح عيني لأول مرة علي جبل يحمل إسم رجل ستبقي ذكراه محفورة بعمق في الذاكرة العربية و الإسلامية ، لقد مر ذلك القائد العظيم من هنا، ومن منا لا يعرف الأثر!، حتي الإسم بقي صامدا مستعصيا علي عوادي الزمن حيث لايزال الجبل يحمل إسم ذلك الرجل الجسور ، Gibraltar فالإسبان يحرفون إسمه قليلا، فهم ببساطة يدعونه "خيبرالتار"

لكن أذن المتلقي العربي سرعان ما تفكك الشفرة و تحدد المقصود منها دون كبير عناء، وما أكثر الكلمات العربية التي توجد في اللغة الإسبانية غير ذلك ، وإن طمستها أحيانا لكنة الإفرنج !دامت الرحلة من غرناطة إلي مالقا ساعة ونصف وكان الظلام قد بدأ يسدل أستاره علي المدينه عندما وصلت إلي المحطة في مالقا إتصلت علي الأخ الذي أرسل من يأحذني بالسيارة إلي حيث تقيم العائلة الموريتانية التي سننام عندها تلك الليلة في حي يدعي بني المدينة ، وفي الصباح ذهبنا لإلقاء نظرة خاطفة علي مالقا ، وأنطلقنا إلي الجبل مسرعين

يقع مضيق جبل طارق ما بين الطرف الجنوبي الغربي لأوروبا، والطرف الشمالي الغربي لإفريقيا. ويصل بين المحيط الأطلسي في الغرب والبحر المتوسط في الشرق. وتطل عليه من الشمال اسبانيا و منطقة جبل طارق ذات الحكم الذاتي والتابعة لبريطانيا ، ومن الجنوب المغرب ، وسبتة التابعة لإسبانيا، وكان يسمي قبل ذلك جبل كالبيتوجه طارق بن زياد لفتح الأندلس في اثني عشر ألف جندي، وعبر البحر في سفن يوليان ، وفتح الجزيرة الخضراء، ودخل بجيشه ـ بعد أن أحرق السفن ، وخطب حطبته الشهيرة ـ في معركة حامية الوطيس مع جيش لذريق دامت ثمانية أيام انتهت بهزيمة القوط . وفتحت هذه المعركة أبواب الأندلس على مصراعيها أمام الفتوحات الإسلامية ، فوصلت جيوش طارق طليطلة سنة 93هـ دون مقاومة تذكر. ومن ثم، تمكن طارق بن زياد من فتح قرطبة ومالقة وغرناطة ومرسية وغيرها

وصلنا إلي مسجد بدر في المدينة ، فوجدنا فيه جماعة من الدعوة و التبليغ ، مكثنا معهم بعض الوقت ، وكان من الصدفة أن بعض الشباب كانوا يريدون أيضا الذهاب للسباحة و رؤية الجبل ، وهم القادمون من إقليم الباسكخرجنا سيرا علي الأقدام للتمتع بالجو الساحر الذي يميز تلك البلاد بما حباها الله من جمال الطبيعة وقد صدق الشاعر حين قالثلاثة تجلي عن القلب الحزن *** الماء والخضراء والوجه الحسن

بدا الجبل ذو اللون الأبيض وكأنه رغم شموخه حزينا علي فقد الأحبة ، فهو يجد ريحا غير ريحهم ، و لاينتظر مبشرا يأتيه بقميص طارق . فعلا لقد شيبته السنين و الحزن وحولت لونه إلي ما يشبه البياض

لا أعرف لماذا هتف أحد المارة من الأسبان بالتكبير، الله أكبر الله أكبر، وذلك عندما رأي ملابس رفاقي وهم يرتدون الزي العربي وجميعهم ملتحون ، فكان أن تبسمنا و كبرنا معه ملوحين له بأيدينا ، فالمنطقة علي ما يبدو مع كونها ملتقي البحرين و القارتين ، فهي أيضا ملتقي الثقافات والحضارات ، فالبعض ممن لقينا يعرف كلمات مهما قلت من العربية ، وهنا أتذكر المجنون العاقل الذي تصادفنا معه عند الشاطئ وهو يمارس هواية الصيد ، هو الآخر أثار إنتباهنا بالسلام ، السلام عليكم..السلام عليكم ، فأقتربنا منه فطال الحديث معه ، وهو يدعي أنه مواطن عالمي ويعرف كثيرا من اللغات ، الرجل مقتنع بأن الإسلام دين حق ، و أن عيسي رسول الله و ليس إله، و أن الله واحد لا شريك له ، ورغم كونه كاثوليكيا فهو لا يؤمن بنظرية الثالوث ، أي الآلهة الثلاثة ، وكان متفهما ومتسامحا ، ولا يكف في حديثه لنا عن ترديد كلمة خي المغربية بمعني أخي ، لكنه يتبعها بمرادفتها من الإسبانية أرمانو ليطمئن قلبه ، ما شجع أحد الإخوة في النهاية إلي سؤاله عن ما إذا كان يرغب في إعتناق الإسلام ، فرد بالنفي و أنه كاثولوكي ولكنه رغم ذلك يحب الإسلام

شعرنا بالأسف كوننا لم نستطع الدخول إلي الجبل، علي قربنا منه، ذلك أنه لايكفي كوننا مقيمين في إسبانيا للدخول إليه ، إذ لايدخل إلا المقيمين في بريطانيا أو من يحملون الجنسية الإسبانية ، ما يؤكد سيطرة الإنجليز عليه، نظرنا إليه طويلا متأملين مستذكيرين دهرا مضي من تاريخنا الغابر، وجلسنا علي شاطئ البحر الأبيض وعيوننا منشوبة في الجبل الأبيض و حالنا كما قال الشاعر

أمر علي الديار ديار ليلي *** أقبل ذا الجدار و ذا الجدار

اوما حب الديار شغفن قلبي *** و لكن حب من سكن الديارا

هناك تعليقان (2):

محمد بن أحمد يقول...

ملاحظة
هذا التقرير منشور في موقع الجزيرة توك، زاوية الأندلس
والرابط هو

http://www.aljazeeratalk.net/

تحياتي

الحسن أحمد يقول...

يا أخي بارك الله فيك
وجزاك خيرا عن الإسلام والمسلمين ، وإن كنت تفخر بالقادة الفاتحين فنحن كقراء نفخر بمأمثالك من الشباب الدارسين والذين لم تستهويهم حضارة الغرب ولم تغويهم بنات بني الأصفر المنتشرات على الطرقات عاريات نسأل الله أن يعينك