الخميس، 18 يونيو 2009

وطن جميل..ممكن


كانت أشياء غريبة أرتسمت في ذهني في تلك اللحظات، فبعد أن فرغت من تصفح المواقع الإخبارية الوطنية كلها تقريبا ، أشحت بوجهي عن الجهاز، وملت بظهري إلي الجدار حيث كانت المخدة في إنتظاره، وضعت يدا علي يد ، وانطلقت في رحلة ذهنية سريعة وغير مكلفة إلي ربوع الوطن الحبيب ، تماما كما نفعل اليوم مع كوكل إرث.لاأعرف كيف أختارذهني من بين مئات الذكريات مشاهد من مختلف عينات المواطنين ممن إلتقيت بهم في السابق ، وهم يشتكون و يولولون ويتبرمون ويندبون حظهم العاثر في هذا الركن القصي من الكرة الأرضية ، تعبيرا عن معاناتهم ، وأحيانا كثيرة يلجؤون إلي مقارنات عبثية بين وطنهم وجيرانه من البلدان معتبرين أنه رغم شح مواردها ووفرة موارده ، فإنها تبقي أحسن منه حالا بكثيركنت في انواكشوط عاصمة الذكريات ، ومربع الصبا ، كثير الإختلاط بالناس ،ذلك أني أنهيت بها معظم دراساتي الإبتدائية و الثانوية ، فضلا عن الجامعية فإلي ثانوياتها كنت أركب الأوتوبيس للإلتحاق بالدرس ، وكم غاب الأستاذ ، وكشر في وجهي محصل الحافلة !! تلك الحافلات المهترئة حيث معظم المواطنين يجدون فيها وسيلتهم الأرخص للتنقل صباح مساء من و إلي أماكن عملهم ، يغدون خماصا و يروحون خماصا ، تتهادي بهم نفايات من أكوام الحديد لا تصلح لشئ ولا أحد يهتم لحالهم ، و الأدهي من ذلك أنهم قد يمضون الساعات الطوال في إنتظارها ، تلهب أجسامهم النحيلة أشعة الشمس الحارقة وفي جامعتها ـ جامعة موريتانيا ـ عشت لحظات ممتعة بين "عرصاتها " كواحد من آلاف طلبتها القادمين من مختلف أنحاء الوطن المنهك لمتابعة دراساتهم غصبا عنهم في مشروعها المتعثر! فكم لقيت من أشخاص كانوا يحلمون بدراسة تخصصات لاتوفرها تلك الجامعة المانعة للتطور و البحث العلمي الرصين بسبب شح الوسانل و عقم المناهج وفوضوية التخطيط إن وجد !وفي أسواقها كم مرة أصغيت إلي التاجر وهو يقول أنه لايتذكر وجود الدولة إلا عندما يأتيه محصل الضرائب برفقة عنصر من الشرطة لإجباره علي دفع إتاوة لم تقدم الدولة له في مقابلها أي شيئ يذكر ، وقل نفس الشيئ عن سانق التاكسي ، وحتي البائع المتجول ، ثم هل رأيت شوارعها ـ ونحن علي أبواب الخريف ـ وقد أختلط فيها ماء السماء بماء الأرض ، حيث مجاري الصرف الصحي تزكم الأنوف و تثير الغثيان ، وتري الناس يعومون في تلك البحار و أيديهم علي أنوفهم وهم في غاية التسليم ، وكأنه لاأحد مسؤول عن نظافة المدينة و تسهيل الحياة لساكنتها من بني آدمالإدارات والمراكز ، حيث لا يرحمك إلادرهمك ،أوشخص تعرفه يعمل هناك ، صديق لك أو لأبيك أو لجدك ، وكل شئ بمائة أو تزيد ، فلا داعي لمزيد من قتل الوقت هدرا في غير طائل وفي المستشفيات و ما أدريك ما المستشفيات ، إجراءات طويلة ، ومعاملات ثقيلة ، وأجهزة ناقصة ، ومواعيد عرقوبية لاتنتهي ، والمحصلة أن الدكتور في عيادته الخاصة ، لمن أراد الشفاء العاجل ، وعلي الفقير تدور الدوائر عزيزي المواطن ، إنه حالنا الذي نتأفف منه ، وواقعنا الذي نعيشه ، لكنه ليس قدرنا المحتوم . أنا ألومك بقدر ما ألوم نفسي و أهلي ، وجيراني ، ومعارفي فنحن جميعا شركاء في السكوت علي الهوان و التسليم به كأنه قضاء وقدر ، ومن يهن يسهل الهوان عليه ، وهذا بالضبط هو ما يعاقبنا عليه ضميرنا الجمعي كل لحظة بالشماتة فينا ككيان ، كدولة ، لكن الضمير الفردي في المقابل لا يفعل أي شيئ من أجل تغيير الأوضاع السيئة إلي الأحسن ، ولايدرك أنه هو السبب الرئيسي لمصائبنا كجماعة ، وأن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم اليوم نحن علي موعد جديد مع التاريخ ، فالتغيير بين أيدينا ، والتصويت هو وسيلته ، وموريتانيا بطاقاتها الطبيعية و البشرية قادرة علي النهوض ، إذا ما وفقنا في إختيار رئيس غير ذي عوج ، حريص علي الوطن ، بالموريتانيين رؤوف رحيم ، يدرك معني الأمانة وقيمتها ويخاف الله فينا أكثر من أي شيئ آخرإن بناء وطن جميل شيئ ممكن الحصول ، لكن فقط بمواطنين واعين يسعون من أجل التغيير ويطمحون إليه ، والأهم من ذلك كله يؤمنون بأنفسهم أداة له ، وليس أبدا بكسالي وقاصري همة ، يتمنون الأماني ، ولايتقنون سوي الرثاء و البكاء علي الأطلال ، وعيب الزمان عزيزي المواطن ، إنه وطني ووطنك موريتانيا ، أعرف أننا لانبيعه بذهب الأرض ، لكن إلي متي سنظل نسمح لغيرنا أن يستعبدنا فيه ، أويمتلكه بغير وجه حق ؟


ومن لايحب صعود الجبال ****** يعش أبد الدهر بين الحفر

هناك تعليق واحد:

الدد ولد الشيخ إبراهيم يقول...

لقد قرأت هذا المقال الجميل مرات و مرات، لكني لا أدري لماذا فعلت ذلك!
هل لأنه-أيقظ ذكرياتي من صميمي- وأعادني إلى ماضي ينداح فيه الكد و التحصيل حيث لا يدري المرء أيبحث عن لقمة العيش أم يبحث عن درس تغيب عنه لإعتقاده أن الأستاذ -كعادته- لن يحضر، لكنه حضر هذه المرة؟ أم لأن فيه تميز في زمن يختلط فيه سمين المعارف مع غثها،في حقبة سياسية عجيبة حيث لا راحم فيها لضعيف، و لا مؤازر فيها للسان الصدق؟

واصل أخي محمد فإني أراى فيك مبدعا لا يشق له غبار